نعيش في زمن ضاعت فيه الحقوق , وانهدرت فيه النفوس إلى الحضيض
من
يرحم الصغير ؟ من يرحم الكبير ؟ من يرد الحق إلى أهله ؟
ما هذا الزمان , حسبنا الله ونعم الوكيل .
تعالوا معي لنرى كيف تعامل
النبي صلى الله عليه وسلم مع المسن العجوز الذي أكل عليه الدهر وشرب
العجوز الذي سبقته السنين وأخذت من عافيته ما أخذت .
تجاوزت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته
ذلك العصر الذي عاشه صلى الله عليه وسلم ، وذاك الجيل الذي عاشره
ليضع صلى الله عليه وسلم هذه الضمانة لمن بعده فيدعو ربه تبارك وتعالى
: }اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر
أمتي شيئاً فشق عليه فاشقق عليه { فيضع صلى الله عليه وسلم هذا نبراساً وهدياً
لكل من يتحمل أمانة ومسؤولية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أجمع
إلى أن تقوم الساعة .
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أولئك الذين لا يرحمون
أشقياء قد كتبت عليهم الشقاوة ؛ ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داو
ود أنه قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: } لا تنزع الرحمة إلا من
شقي {
كان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأرملة والمسكين،
وكان صلى الله عليه وسلم قبل النبوة والرسالة يطعم الطعام ، وكان يحمل
الكل صلى الله عليه وسلم ، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق، كما
وصفته بذلك من هي من أعلم الناس به زوجه خديجة رضي الله عنها، فكيف يكون الأمر بعد
النبوة وبعد الرسالة؟
يا ليت العالم "المتحضر" ينظر إلى منهج نبي الإسلام مع
المسنين ، كل المسنين ، البيض والسود ، العرب وغير العرب ، المسلمين وغير المسلمين
!
وإليكم بعض تعاليمه صلى الله عليه وسلم في رعاية المسنين:
أولاً: مناشدة الشباب إكرام المسنين:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
} مَا أَكْرَمَ شَابٌّ
شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ {
ثانيًا: إكرام المسن من إجلال الله:
قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
} إِنَّ مِنْ إِجْلالِ
اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ
الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ {
فجعل إكرام المسنين من إجلال الله.. وربَط بين توقير الخالق وتوقير
المخلوق، وإجلال القوي سبحانه وإجلال المسن الضعيف،
ثالثًا: ليس من المسلمين من لا يوقر المسن:
قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
} لَيْسَ مِنَّا مَنْ
لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا {
فجعل من الذين لا يوقرون الكبراء والمسنين عناصر شاذة في مجتمع
المسلمين، بل تبرأ منهم! إذ ليس من المسلمين من لا يحترم كبيرهم.
رابعًا: تسليم الصغير على الكبير:
قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :
} يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ
عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ {
خامسًا: تقديم المسن في وجوه الإكرام عامة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
} أمرني جبريل أن أقدم
الأكابر {
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبدأ الكبير بتقديم
الشراب ونحوه للأكابر.. فقال: } ابدؤوا بالكبراء -أو قال- بالأكابر {
سادسًا: التخفيف عن المسنين في الأحكام الشرعية:
فقد خفف الشرع عن المسن في الكفارات والفرائض والواجبات ..
أما التخفيف عن المسن في الكفارات، فقصة المجادلة (خولة بنت ثعلبة)
-في القرآن- خير دليل، عندما وقع زوجها (أوس بن الصامت) -وهو الشيخ المسن- في
جريمة الظهار، ونزل الحكم الشرعي العام :
} وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ { المجادلة: 3، 4
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخولة المجادلة :
} مُريه فليعتق
رقبة"، فسألت التخفيف عن زوجها. فقال: "فليصم شهرين متتابعين".
فقالت: والله إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: "فليطعم ستين مسكينًا وسقًا
من تَمر". فقلت: يا رسول الله، ما ذاك عنده! فقال نبي الرحمة: "فإنا
سنعينه بعَرَقٍ من تمر"! ولم ينس الرسول الجليل والأب الرحيم أن يوصي المرأة
الشابة بزوجها الشيخ فقال: "استوصي بابن عمك خيرًا {
وفي الفرائض : أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان -ويطعم- إذا شق عليه
الصيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن يصلي راقدًا إذا شق عليه
الجلوس.. وهكذا...
سابعًا: تجنيب المسنين ويلات الحروب ومنع قتلهم :
وفي إشارة أخرى إلى أساس أخلاقي آخر من أسس الشريعة السمحاء كان
النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه وقائدي الجيش: } انطلقوا باسم الله،
وبالله، وعلى ملة رسول الله. لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً ولا صغيرًا، ولا
امرأة. ولا تغلوا، ، وأصلحوا وأحسنوا، فإن الله يحب المحسنين { فاعتبرهم من
غير المشمولين بالحرب والقتل.
نماذج رحمته صلى الله عليه وسلم للمسنين: رفقه بأبي قحافة وتوقيره
له :
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا (في
رمضان 8هـ/ يناير 630م)، ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر بأبيه يقوده إلى حضرة
النبي صلى الله عليه وسلم ، ليبايع ويسلم. فلما رآه رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال صاحب الخلق العظيم:
} هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟! {
قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن
تمشى أنت إليه !!
فأجلسه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بين يديه ، وأكرمه ،
ثم مسح على صدره ، ثم قال : } أسلم { فأسلم .
ودخل به أبو بكر وكان رأسه كالثغامة بياضًا من شدة الشيب . فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم - في تلطف جم وذوق رفيع-: } غيّروا هذا من
شعره! {
أ . حسام حسن كيوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق