قد
يقول البعض ما الفائدة من دراسة لغة الأرقام في القرآن الكريم لاسيما أن هناك
علوماً قرآنية كالفقه والعبادات والأحكام والقصص والتفسير جديرة بالاهتمام أكثر؟
أولاً
وقبل كل شيء يجب أن نبحث عن منشأ الاتجاه السائد لدى شريحة من الناس، ومنهم علماء
وباحثون، للتقليل من شأن المعجزة الرقمية في القرآن الكريم.
فنحن
نعلم جميعاً الأهمية الفائقة للغة الأرقام في العصر الحديث، حتى يمكن تسمية هذا
العصر بعصر التكنولوجيا الرقمية، فقد سيطرت لغة الرقم على معظم الأشياء التي نراها
من حولنا.
وبما
أن القرآن هو كتاب صالح لكل زمان ومكان فلابدّ أن نجد فيه إعجازاً رقمياً يتحدّى
كل علماء البشر في القرن الواحد والعشرين.
فالذين
يظنون بأنه لا فائدة من الإعجاز الرقمي، إنما هم بعيدون عن تطورات العصر، وغالباً
ليس لديهم اختصاص في الرياضيات.
والغريب:
كيف يمكن لإنسان لم يدرس الرياضيات أن ينتقد معجزة رياضية في كتاب الله؟!!
ولو
أنه لا فائدة من هذه الأرقام فلماذا كان الرقم سبعة هو الأكثر تكراراً في كتاب
الله بعد الرقم واحد؟
ولماذا
عدد السماوات سبع، وقد تكررت عبارة (سبع سماوات، السماوات السبع) في القرآن كله سبع مرات بالضبط بعدد
هذه السماوات؟
لماذا
تكررت كلمة (القِبلة) سبع مرات في القرآن، ونحن نعلم بأن الطواف حولها هو
سبعة أشواط؟
ولماذا
جعل الله تعالى لجهنم سبعة أبواب، وجاء عدد مرات ذكر كلمة جهنم في
القرآن (77) مرة، أي من
مضاعفات الرقم سبعة؟
ولو
كانت الأرقام لا معنى لها في القرآن فلماذا تكررت كلمة (الشهر) 12 مرة بعدد أشهر السنة،
ولماذا تكررت كلمة (اليوم) 365
مرة بعدد أيام السنة؟
ولماذا
جاء عدد مرات ذكر كلمة (الدنيا) في القرآن كله مساوياً لعدد مرات ذكر كلمة (الآخرة)؟ وقد
تكررت كل كلمة من هاتين الكلمتين 115
مرة.
هذا
وإن المؤمن الذي أحبَّ الله ورسوله وأصبح القرآن منهجاً له في حياته لا ينبغي له
أن ينأى بنفسه عن علوم العصر وتطوراته، ولا يجوز له أبداً أن ينتقص من شأن القرآن
بإهماله لهذه المعجزة، لأنها صادرة من عند الله تعالى، ولولا أهمية هذه المعجزة لم
يكن الله عزّ وجلّ ليضعها في كتابه!
وحال
المؤمن دائماً في لهفةٍ لجديد هذا القرآن وجديد إعجازه، وما يُعلي شأن كلام الله وشأن
هذا الدين.
الإعجاز العددي:
هل يصرف المؤمن عن معاني ودلالات الآيات؟
بعض
علماء المسلمين يرون أن الاهتمام بعَّد كلمات وحروف القرآن قد يصرف المؤمن عن
دلالات ومعاني الآيات، فالمؤمن بحاجة إلى فهم آيات القرآن من الناحية اللغوية ليهتدي
بها إلى طريق الله تعالى.
هذا
فهم خاطىء أيضاً !
فكيف
يمكن للخالق العظيم جلّ جلاله أن يضع شيئاً في كتابه ليصرف الناس عن فهم آيات هذا
الكتاب؟!!
إن
كل حرف من حروف القرآن فيه معجزة تستحق التدبُّر والتفكُّر.
وبما
أن هذا القرآن صادر من عند الله تعالى فإن كل شيء فيه هو من عند الله، ولا ينبغي
لمؤمن حقيقي راسخ في العلم أن يقول إن هذه المعجزة لا تعنيني لأنني مؤمن
أصلاً، بل لسان حال المؤمن يقول دائما: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)!
إن
تأمُّل كلمات القرآن وآياته وحروفَه من الناحية العددية يجعل المؤمن أكثر حفظاً
واستحضاراً لهذه الآيات،
هل يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذه الإعجازات؟
قد
يظن البعض ممن ليس لديهم الخبرة والتجربة بعدّ الحروف وإحصاء الكلمات، بأنه من
السهل على أي إنسان أن يركّب جُمَلاً يراعي فيها تكرار الحروف، إذن أين الإعجاز؟
في
كتاب الله عزّ وجلّ نحن أمام مقياسين:
مقياس
لغوي ومقياس رقمي.
فلا
نجد أي نقص أو خلل أو اختلاف في لغة القرآن وبلاغته من أوله وحتى آخره، وفي الوقت
نفسه مهما بحثنا في هذا الكتاب العظيم لا نجد أي اختلاف من الناحية الرقمية، فهو
كتاب مُحكم لغوياً ورقمياً.
إن
محاولة تقليد القرآن رقمياً سيُخل بالجانب اللغوي، فلا يستطيع أحد مهما حاول أن
يأتي بكلام بليغ ومتوازن وبالوقت نفسه منظَّم من الناحية الرقمية، سيبقى النقص
والاختلاف في كلام البشر،
وهذا
قانون إلهي لن يستطيع أحد تجاوزه، وهذا ما نجد تصديقاً له في قول الحقّ تبارك
وتعالى:
(أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء:82
ففي
هذه الآية دعوة لتأمّل التناسق في كلام الله تعالى، وتمييزه عن الاضطراب والاختلاف
الموجود في كلام البشر.
أليست
هذه إشارة غير مباشرة لتدبُّر القرآن من الناحية البيانيّة والعددية ؟
هل يمكن معرفة الغيب باستخدام الأرقام القرآنية؟
هنالك
من يبالغ في مسألة الإعجاز العددي فيربط بعض الأرقام القرآنية بأحداث سياسية أو
تاريخية كزوال إسرائيل وأحداث الحادي عشر من أيلول والتنبؤ بقيام الساعة ، ألا يُعتبر
هذا أحد منزلقات الإعجاز الرقمي؟
إن
المبالغات موجودة في كل العلوم، حتى في تفاسير القرآن، فقد تتعدد أراء العلماء حول
تفسير بعض الآيات. وقد نجد تفسيرات متناقضة لبعض آيات القرآن، وقد نجد تفسيرات
خاطئة أيضاً.
فمثلاً
الذي فسَّر بأن الأرض مسطّحة وليست كرويّة تفسيره خاطىء، وفهمُه بعيد عن الواقع
لقوله تعالى: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) الغاشية:20 .
والتفسير
الصحيح لهذه الآية أنه يجب على المؤمن النظر إلى خلق الله وخصوصاً الأرض التي
مهَّدها الله لنا، وجعلها مستوية أمامنا، فمَهما سرنا على سطحها نعود من حيث
بدأنا، ولو أن الله تعالى جعلها مليئة بالحفر والتعرجات والمنحدرات مثل سطح
القمر لتعذرت الحياة، وصعبت كثيراً ولكنها رحمة الله بعباده.
إن
لغة الرقم هي اللغة التي نعبر بها عن الماضي والمستقبل،
فنحن
نعبر عن التواريخ بالأرقام
كما
نعبر عن الأعمال التي سنقوم بها مثل السفر أو الاستعداد لموسم الحج أو لشهر رمضان
بالأرقام أيضا.
وقد
قال الله تعالى (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) الإسراء:12
واليوم
يتنبأ علماء الفلك بموعد حدوث كسوف الشمس أو القمر بدقة تامة، وهذا لا يُعدّ أمراً
محرّماً.
نعم
الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكن هناك أشياء يمكن معرفتها بواسطة الحسابات، مثل
الثقوب السوداء التي لا يمكن رؤيتها مطلقاً، ولكن يمكن حساب وتحديد بُعْدها عنا،
ومقدار جاذبيتها، وسرعة حركتها بواسطة لغة الأرقام.
إذن
المشكلة ليست في لغة الأرقام، بل في استعمال هذه اللغة بشكل علمي صحيح،
فإذا
ما جاء من يدّعي أنه استخرج من القرآن تاريخاً معيّناً أو حدثاً مستقبلياً، فإن
عليه أن يأتي بالبرهان العلمي الذي لا يعارضُه أحد فيه.
إذا
كان باعتقاد البعض أنه لا فائدة من دراسة لغة الأرقام القرآنية ، فإن هذا الاعتقاد
لا يستند إلى أي برهان علمي،
بل
جميع التطورات التي نشهدها في القرن الواحد والعشرين تؤكد على أهمية لغة الرقم في
إقامة الحجة على كل من يُنكر صدق هذا القرآن.
وبما
أن لغة الرقم هي لغة العلوم الحديثة، فما الذي يمنع أن نجد هذه اللغة في كتاب الله
تعالى؟
وما
الذي يضرّنا إذا صدرت أبحاث كهذه تُعلي من شأن القرآن، وتخاطب أولئك الماديين
بلغتهم التي يتقنونها جيداً: لغة الأرقام؟
إذن
المعجزة الرقمية هي أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا. الهدف منه هو زيادة
إيمان المؤمن كما قال تعالى:
(وَيَزْدَادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) المدثر:31
هذه
المعجزة هي وسيلة أيضاً لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه لكي لا يرتاب ولا
يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة، كما قال تعالى:(وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ).
ولكن
الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزناً لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص كهذا؟
يخبرنا
البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم:
(وَلِيَقُولَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا
مَثَلاً).
هذا
هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الحال.
لذلك
لا ينبغي للمؤمن الحقيقي أن يقول بأن المعجزة الرقمية لا تعنيني أو لن تؤثر على
إيماني أو لن تزيدني إيماناً.
بل
يجب عليه البحث والتفكر والتدبر في آيات القرآن من جميع جوانبه.
هذا
القرآن سيكون شفيعاً لك أمام الله عندما يتخلَّى عنك كل الناس! فانظر ماذا قدمت
لخدمة كتاب الله وخدمة رسالة الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق