من طرائف الأدب "الأصمعي وقافية الواو"


من أروع القصص التي تدل على عظيمِ اللغة العربية :

يروي الأصمعيُّ أنه مرة كان يحضر مؤبدة غداء ، وكان بجانبه أعرابي يأكل بشراهة،
نظر إليه الأصمعيُّ بتعجب واحتقار ، وقال له:
كأنك أثْلَةٌ فِي أرضِ هَشٍّ ........ أتاها وابلٌ مِن بعد رشٍّ

فنظر إليه الاعرابي، فقال:
كأنك بَعْرَة فِي اسْت كبشٍ ..... مُدَلاَّتٌ وذاك الكبشُ يمشِي

فغضب الأصمعيُّ وقال للأعرابي : أتقول الشعر ؟
قال الأعرابي : أنا ابن أمه وأبيه

فغضب الأصمعي فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل (لَوْ)

فقال الأصمعي : ائتني ببيتٍ آخره واو ساكنة مفتوح ما قبلها
فقال الاعرابي :
قوم بنجد عهدتهم ..... سقاهم الله من النوّ (1)

فقال الاصمعي نَوْ ماذا؟
فقال الاعرابي :
نَوْ تلألأ في دُجَى ..... ليلة مظلمة حالكةِ لَو ؟

رد الأصمعي: لَوْ ماذا ؟ (يريد أن يعجِّزه)
فقال الاعرابي :
لو سار فيها فارسٌ لانثنى ..... على بساط الأرض مُنْطَوْ (2)

فقال الاصمعي : مُنْطَوْ ماذا؟
فقال الأعرابي:
منطو كشح هضم الحشا ..... كالبازقد انقضُ من الجو

قال الأصمعي : جَوْ ماذا ؟
فقال الأعرابي:
جو السما والريح تعلوا ..... قد شم ريح الأرض فاعلَوْ

قال الأصمعي : فاعلو ماذا ؟
فقال الأعرابي:
فاعلَوْ لمّا عِيل من صبره ..... فصار نحو القوم ينعَوْ

قال الأصمعي : ينعو ماذا ؟
فقال الأعرابي :
ينعو رجالا للثنا ..... شرعتا كفيت مالاقو ولاقَوْ

فقال الاصمعي: ما لاقو؟
فقال الأعرابي:
إن كنت لا تفهم ما قلته ..... فأنت عندي رجل بَوْ

قال الأصمعي : ما البو؟
فقال الأعرابي:
البَوُّ ِسلخٌ قد كسى جلده ..... بألف قرنان تقوم أوْ (3)

رد الأصمعي : أو ماذا يا أعرابي ؟
فقال الأعرابي:
أوْ أضرب الرأس بصوانة ..... تقول في ضربتها قَوْ

قال الأصمعي :
فخشيت أن أقول له قَوْ ماذا فيضربني بالصوّانة ( الصحن) (4)
فقلت له: أنت ضيفي الليلة.

فقال الأعرابي: لا يأبى الكرامةَ إلا لئيم

فقلت لزوجتي اصنعي لنا دجاجةً واحدةً .. ففعلت

فأتيتهُ بها وجئته أنا وزوجتي وابناي وابنتاي وقلت له : فرق يا أعرابي

فقال الأعرابي :
الرأس للرأس وأعطاني رأس الدجاجة , والولدان جناحان ,والبنتان لهما الرجلان والمرأة العَجُز , وأنا زائر لي الزّور

وأكل الدجاجة ونحن ننظر إليه.

وفي الغد قلت لزوجتي : اصنعي لنا خمس دجاجات ,
فلما أتيتهُ بها وقلت له : قسّم يا أعرابي .

قال الأعرابي : أتريد شفعاً أو وِتراً ؟

فقلت : إن الله وترٌ يحب الوترْ .

فقال الأعرابي : أنت وزوجتك ودجاجة , وابناك ودجاجة , وابنتاك ودجاجة. وأنا ودجاجتان .

فقلت له: أريد أن تقسم شفعاً .

فقال الأعرابي : أنت وولداك ودجاجة , وزوجتك وابنتاها ودجاجة , وأنا وثلاثُ دجاجات ..
و والله لا أحوّل عن هذه القسمة .

فقال الأصمعي : غلبني الأعرابي مرتين في الشعر وفي قسمة الدجاج..

________________________________________________
(1)            النو = القمر
(2)            منطو = سريع
(3)            البو = أحشاء الدابة بعد سلخها أعزكم الله
(4)            الصوّانة = الصحن

شكرا لك ولمرورك
أدخل إلى صفحتنا : روائع الفكر والعلم