يتفاوت عذاب الكفار بحسب تفاوت أعمالهم


أهل النار ليسوا على درجة واحدة من العذاب، بل هم متفاوتون فيها بحسب أعمالهم، فالنار دركات بعضها أشد عذاباً وهولاً من بعض  لذلك كان أهلها متفاوتون في العذاب .
قال تعالى:
{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ* وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } الأنعام:131ـ 132

قال السعدي:
(ولكل ـ منهم ـ درجات مما عملوا ـ بحسب أعمالهم، لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره، ولا التابع كالمتبوع، ولا المرؤوس كالرئيس، كما أن أهل الثواب والجنة وإن اشتركوا في الربح والفلاح ودخول الجنة فإن بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله)

فمن جمع بين الكفر وأكل أموال الناس بالباطل، ليس كمن كفر ولكنه لم يأكل المال بالباطل، فلكلٍّ درجات مما عملوا، فالأول أسوأ حالاً وأشد عذاباً.

وأما بالنسبة للمظلوم :
فإنه يُوفَّى حقه يوم القيامة، ولكن ليس بالدينار والدرهم، وإنما بالحسنات والسيئات ..
فإن كان الظالم كافراً وليس له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه ليزداد بها عذابه، كما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.  

الأدلة من الأحاديث  الصحيحة :
-----------------------------------
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل النار
(إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته (وفي رواية) إلى عنقه)   رواه مسلم وأحمد عن سمرة

وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أخف أهل النار عذاباً :
ففي (صحيح البخاري) عن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه) 

وفي رواية أخرى في (صحيح البخاري) أيضاً عن النعمان بن بشير :
(إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل في القمقم)

وفي رواية النعمان بن بشير عن مسلم
(إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً) 

وفي (صحيح مسلم) عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : (إن أدنى أهل النار عذابا ينتعل نعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه)  
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذُكر عنده عمه أبو طالب، فقال :
(لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه أم دماغه

وقد جاءت النصوص القرآنية مصدقة لتفاوت أصحاب النار في العذاب :
كقوله تعالى :
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) النساء:145
وقوله (وَيَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) غافر:46
وقوله : ( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ) النحل: 88

يقول القرطبي في هذا الموضوع :
---------------------------------------
هذا الباب يدلك على أن كفر من كفر فقط، ليس ككفر من طغى وكفر وتمرد وعصى، ولا شك أن الكفار في عذاب جهنم متفاوتون كما قد علم من الكتاب والسنة، ولأنا نعلم على القطع والثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم وأفسد في الأرض وكفر، مساوياً لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين، ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضحضاح لنصرته إياه، وذبّه عنه وإحسانه إليه؟ وحديث مسلم عن سمرة يصح أن يكون في الكفار بدليل حديث أبي طالب، ويصح أن يكون فيمن يعذب من الموحدين.

وقال ابن رجب :
--------------------
واعلم أن تفاوت أهل النار في العذاب هو بحسب تفاوت أعمالهم التي أدخلوا بها النار، ثم ساق الأدلة الدالة على ذلك، وساق قول ابن عباس: ليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك.

ثم قال ابن رجب: وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أهل الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم بحسنات أخرى له أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار.

شكرا لك ولمرورك
أدخل إلى صفحتنا : روائع الفكر والعلم